الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وبغداد مقدمة لانسحاب تركي أم شرعنة لبقائه ملف_اليوم
تحليل للاتفاقية الأمنية بين أنقرة وبغداد: مقدمة لانسحاب تركي أم شرعنة لبقائه؟
تثير الاتفاقية الأمنية الموقعة بين أنقرة وبغداد مؤخراً جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، وتطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العلاقات بين البلدين، ومصير الوجود العسكري التركي في شمال العراق. الفيديو المعنون الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وبغداد مقدمة لانسحاب تركي أم شرعنة لبقائه ملف_اليوم (رابط الفيديو: https://www.youtube.com/watch?v=1s2431jOTuM) يقدم تحليلاً معمقاً لهذا الموضوع الشائك، ويحاول الإجابة على التساؤل المركزي: هل تمهد هذه الاتفاقية لانسحاب تدريجي للقوات التركية من العراق، أم أنها تمنحها غطاءً قانونياً للبقاء والتوسع في تدخلاتها؟
خلفية تاريخية معقدة
لفهم أبعاد هذه الاتفاقية، لابد من استعراض الخلفية التاريخية للعلاقات التركية العراقية، والتي شهدت تقلبات حادة على مر العقود. لطالما كانت قضية الحدود والمناطق الحدودية المتنازع عليها، بالإضافة إلى ملف المياه، من أبرز مصادر التوتر بين البلدين. إضافة إلى ذلك، لعبت القضية الكردية دوراً محورياً في تعقيد هذه العلاقات، حيث تتهم تركيا حزب العمال الكردستاني (PKK) باستخدام الأراضي العراقية كمنطلق لشن هجمات على أهداف داخل تركيا. ونتيجة لذلك، قامت تركيا بعمليات عسكرية متكررة في شمال العراق، مستهدفةً معاقل الحزب، الأمر الذي أثار غضب الحكومة العراقية واعتبرته انتهاكاً للسيادة العراقية.
بنود الاتفاقية الأمنية وأهدافها الظاهرية
تفاصيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين أنقرة وبغداد لا تزال غير معلنة بشكل كامل، ولكن التسريبات الإعلامية تشير إلى أنها تتضمن بنوداً تتعلق بتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب، وخاصةً فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني. كما تتضمن الاتفاقية آليات لتنظيم الوجود العسكري التركي في شمال العراق، والتأكد من أن هذه العمليات تتم بالتنسيق مع الحكومة العراقية. الظاهر من هذه البنود هو أن الاتفاقية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة الحدودية، وحماية مصالح البلدين من التهديدات المشتركة.
شكوك ومخاوف عراقية
على الرغم من الأهداف المعلنة للاتفاقية، إلا أن هناك شكوكاً عميقة ومخاوف متزايدة في الأوساط السياسية والشعبية العراقية. يتخوف الكثيرون من أن تكون هذه الاتفاقية مجرد غطاء لشرعنة الوجود العسكري التركي الدائم في شمال العراق، وأنها تمنح تركيا صلاحيات واسعة للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية. هناك مخاوف أيضاً من أن تستغل تركيا هذه الاتفاقية لتوسيع نفوذها في المنطقة، وتعزيز مصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب السيادة العراقية. يرى البعض أن الاتفاقية تكرس واقعاً فرضته تركيا بالقوة، وأنها تعجز عن معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، والتي تتمثل في عدم قدرة الحكومة العراقية على بسط سيطرتها الكاملة على الأراضي العراقية، وخاصةً في المناطق الحدودية.
المصالح التركية والدوافع الاستراتيجية
من وجهة النظر التركية، تأتي الاتفاقية الأمنية في سياق سعي أنقرة لحماية أمنها القومي، ومكافحة الإرهاب، وخاصةً حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تهديداً وجودياً. ترى تركيا أن العمليات العسكرية في شمال العراق ضرورية لمنع الحزب من استهداف الأراضي التركية، وأن التعاون الأمني مع الحكومة العراقية هو الحل الأمثل لتحقيق هذه الأهداف. بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وتأكيد دورها كقوة إقليمية فاعلة في المنطقة. يرى البعض أن تركيا تسعى إلى ملء الفراغ الذي خلفه تراجع النفوذ الأمريكي في العراق، وأنها تحاول استغلال الأوضاع الداخلية الهشة في العراق لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الوجود التركي في العراق
في ضوء هذه المعطيات، يمكن تصور عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل الوجود التركي في العراق في ظل الاتفاقية الأمنية:
- سيناريو الانسحاب التدريجي: بموجب هذا السيناريو، تبدأ تركيا في سحب قواتها تدريجياً من شمال العراق، مع الحفاظ على وجود رمزي بالتنسيق مع الحكومة العراقية. يتم التركيز على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وتدريب القوات العراقية لتمكينها من مكافحة الإرهاب بشكل مستقل. يتطلب هذا السيناريو توافقاً سياسياً بين أنقرة وبغداد، والتزاماً متبادلاً باحترام السيادة العراقية.
- سيناريو الوضع الراهن: في هذا السيناريو، يبقى الوضع على ما هو عليه، مع استمرار الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وتنفيذ عمليات عسكرية متقطعة ضد حزب العمال الكردستاني. يتم الحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق مع الحكومة العراقية، ولكن تبقى الخلافات قائمة حول طبيعة الوجود التركي وأهدافه. هذا السيناريو يزيد من التوتر بين البلدين، ويهدد الاستقرار الإقليمي.
- سيناريو التوسع في التدخل: في هذا السيناريو، تستغل تركيا الاتفاقية الأمنية لتوسيع نفوذها في شمال العراق، وزيادة عدد قواتها، وإنشاء قواعد عسكرية دائمة. يتم تهميش دور الحكومة العراقية، وتصبح المناطق الشمالية من العراق منطقة نفوذ تركية. هذا السيناريو يثير غضباً عراقياً واسعاً، وقد يؤدي إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين القوات التركية والقوات العراقية أو الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
دور القوى الإقليمية والدولية
لا يمكن فهم أبعاد الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وبغداد بمعزل عن دور القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في العراق. تلعب إيران دوراً محورياً في العراق، ولديها نفوذ كبير على العديد من الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية. تنظر إيران بعين الريبة إلى الوجود العسكري التركي في العراق، وتعتبره تهديداً لمصالحها. من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على الاستقرار في العراق، ومنع تحوله إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية. تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى مكافحة الإرهاب، ودعم الحكومة العراقية في بناء قواتها الأمنية. تلعب روسيا أيضاً دوراً متزايداً في العراق، وتسعى إلى تعزيز علاقاتها مع أنقرة وبغداد.
خلاصة
الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وبغداد تمثل فرصة لتحسين العلاقات بين البلدين، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، ولكنها تحمل أيضاً مخاطر كبيرة. مستقبل الوجود العسكري التركي في العراق يتوقف على مدى التزام أنقرة وبغداد باحترام السيادة العراقية، وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل على تحقيق مصالح مشتركة. من الضروري أن يتم التعامل مع هذه الاتفاقية بحذر شديد، وأن يتم تفعيلها بشكل شفاف ومسؤول، لضمان تحقيق أهدافها المعلنة، وتجنب أي تداعيات سلبية على الاستقرار الإقليمي.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة